الأربعاء، 20 مايو 2020


لقد مرت  أسابيع على آخر يوم لي في الجامعة، إتصل رفيقي ليطمئن علي ثم ختم كلامه بكلمة مواساة للقرار الذي إتخدته، أنا لم أحكي له شيئا عن واقعي، عن أيامي المريرة، حاولت التلخيص حد الإمكان حتى لا أتنهد من وجع أسئلة أخرى لا قدرة لي على مواجهتها....
أحيانا تفرض عليك الحياة صفقات لا حل ثالت لهما، والأصعب من ذلك أن تحشرك بين خيارين لا تستطيع الإختيار بينهما، لأنك في جميع الحالات ستكون الخاسر الوحيد، كان قرارا صعبا وكانت التضحية هي كل ماتبقى لي من حلول، لقد حلمت كثيرا وتمنيت كثيرا أن أصبح أستاذا جامعيا فأصبحت ناذلا يعمل في مقاهي الأساتذة والمتقفين نهارا، و يبيع السجائر للمقهورين والتعساء ليلا، الموجع حقا أن تتدمر أحلامك في الوقت الذي كنت تحاول بناءها رغما عن أنف الحاقدين والشامتين والحاسدين، رغما عن أنف الظروف، تظل تكابد وتكافح حتى تخور قواك أمام أقوى صفعة من الحياة إليك ....
ينتشلني صوت أمي من جحيم الأفكار، أحاول جمع الكتب التي سأبيعها، ألقي نظرة أخيرة على تلك الكتب الجامعية أيضا وألحقها بالأخرى ثم أستعد للخروج، يقولون أنك مادمت تؤمن بأحلامك فإنك ستحققها، أنا كنت مؤمنا أشد الإيمان بالأشياء التي أردتها وهاأنذا الآن أبيع الحلم من أجل دراهم معدودة تنقد أمي وأختي من الجوع، أبيع الأمنيات لأحيا بكرامة بكسرة خبز وماء.... يقولون أن التضحية جميلة أيضا، طبعا لم أكن لأرضى أن تشتغل أمي صباح مساء لتوفر لي ولأختي لقمة عيش، أمي إمرأة خمسينية لن تقوى على العمل وأختي فتاة عشرينية لن أقوى أنا على أن تستغل ...أنا لا أريدها أن تضحي مثلي، أريدها أن تؤمن بأحلامها لكي تحققها يوما لا أن تبيعها ليشتريها الآخرون...
- كم ستبيع هذه الكتب!؟
- 50 درهما، إنها مرفقة بملخصات أيضا...
يغادر الزبون، ويأتي شاب عشريني بجسم نحيف وبملامح متعبة، يجلس بجواري ويفترش حصيرة قديمة؛ يرتب الأحلام جيدا على الأرض، ثم يجلس القرفصاء منتظرا أول مشتري يأخدها بعيدا ويمنحه دراهم الإستسلام...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق